سلسلة المقالات الخاصة بتطوير مناهج تعليم اللغة العربية:
عبد الرحيم نشيط (Andalus Amdalus)
تاريخ الإضافة 31-07-2025
تطوير مناهج تعليم اللغة ومقاربات المنهاج:
يعد تطوير مناهج تعليم اللغة عملية منهجية ودورية تهدف إلى ضمان أن يلبّي البرنامج اللغوي احتياجات المتعلمين ويحقق نتائج محددة بوضوح. تتضمن هذه العملية تحليل السياق، وتحديد ما يحتاج المتعلمون إلى تحقيقه، والتخطيط لكيفية حدوث التعلم، وتقييم النتائج لضمان الفاعلية. ورغم أن مراحل تطوير المناهج تظل ثابتة إلى حد كبير، لكن المقاربة المعتمدة في التصميم سواء كانت أمامية أو مركزية أو عكسية هي التي تحدد نقطة البداية وتسلسل هذه المراحل.
في السنوات الأخيرة، أصبحت المقاربة العكسية هي الأكثر شيوعًا نتيجة تأثير الأطر المرجعية الدولية مثل الإطار الأوروبي المرجعي المشترك للغات CEFR وإرشادات الكفاءة الخاصة بـ ACTFL. تركز هذه الأطر على النتائج والمعايير الأدائية، مما يتطلب من مطوري المناهج تحديد الكفاءات النهائية أولًا، ثم وضع المحتوى وطرائق التدريس وآليات التقييم اللازمة لتحقيق تلك النتائج.
تطوير مناهج تعليم اللغة ومقاربات المنهاج:
يتبع تطوير المناهج دورة منظمة تبدأ بفهم احتياجات المتعلمين وسياقهم التعليمي، ثم الانتقال إلى التصميم والتنفيذ والتقويم. وتوفر الخطوات التالية إطارا لبناء منهاج متماسك يضمن الملاءمة العملية والنجاح القابل للقياس:
تحليل السياق
يبدأ أي منهاج ناجح بفهم البيئة التعليمية التي يحدث فيها التعلم. يشمل ذلك أهداف المؤسسة، والخلفية الثقافية والاجتماعية للمتعلمين، والقيود العملية الخاصة بالتعليم. من خلال تحليل السياق يمكن لمطوري المناهج تصميم برنامج تعليمي واقعي وملائم.
تحليل الاحتياجات
بعد فهم السياق تأتي الخطوة التالية وهي تحديد احتياجات المتعلمين. يشمل ذلك معرفة ما يجب أن يكونوا قادرين على فعله باللغة والفجوة بين مستوى كفاءتهم الحالي والنتائج المرجوة. يمكن أن يشمل تحليل الاحتياجات الاستبيانات، أو المقابلات، أو اختبارات تحديد المستوى، أو متطلبات العمل.
تحديد الأهداف والنتائج التعليمية
بناءً على تحليل الاحتياجات، يتم تحديد أهداف واضحة ونتائج تعليمية قابلة للقياس. تحدد هذه النتائج ما سيتمكن المتعلمون من إنجازه عند نهاية البرنامج، وغالبًا ما يتم التعبير عنها على شكل مهام تواصلية أو معايير مهارية محددة. هذه الأهداف هي التي توجه اختيار المحتوى وطرائق التدريس وآليات التقييم. تركز المقاربة العكسية بشكل خاص على النتائج، وتربط كل مرحلة من مراحل المنهاج بالمعايير النهائية للأداء.
تصميم الخطة الدراسية (المدى والتتابع)
. تصميم الخطة الدراسية (المدى والتتابع)
يمثل تصميم الخطة الدراسية العمود الفقري للبرنامج التعليمي. فهو يحدد محتوى الدورة، من تراكيب لغوية، ومفردات، ومهارات، ووظائف، إضافة إلى ترتيب تدريس هذه العناصر. يضمن المدى والتتابع المنطقي للدروس أن ينتقل التعلم من المهام البسيطة إلى الأكثر تعقيدًا، مع مراجعة النقاط الأساسية بمستويات أعمق.
هيكل المقرر
يُنظم المنهاج في وحدات أو دروس أو برامج فرعية، مع تحديد الوقت المخصص وتدرج المحتوى. يضمن هذا الهيكل انسجام جميع عناصر المنهاج لتحقيق النتائج المرجوة.
طرائق التدريس واستراتيجياته
تختار طرائق التدريس المناسبة استنادًا إلى أهداف البرنامج واحتياجات المتعلمين. يمكن أن تشمل هذه الطرائق المدخل التواصلي، أو التعلم القائم على المهام، أو نماذج التعليم المعكوس. يؤثر اختيار طرائق التدريس على التفاعل الصفي وأنواع الأنشطة والتوازن بين الدقة والطلاقة.
تطوير واختيار المواد التعليمية
تشمل المواد التعليمية الكتب الدراسية والنصوص الأصيلة والوسائط المتعددة والمصادر الرقمية. يجب أن تكون المواد التعليمية فعالة توفر محتوى تعليميًا غنيا وهادفا، وتتيح للمتعلمين فرصا للتطبيق العملي.
التقييم والقياس
تبنى أدوات التقييم لقياس مدى تحقيق الأهداف. يشمل ذلك التقييم التكويني (المستمر) والتقييم الختامي (المشاريع أو الاختبارات النهائية). يضمن التقييم توافق الأهداف مع طرق القياس. تجعل المقاربة العكسية هذا التوافق محوريا لأنها تبدأ من التقييم المطلوب للتحقق من النتائج.
تقييم البرنامج
يقاس نجاح المنهاج من خلال جمع التغذية الراجعة من المتعلمين والمعلمين وجميع الأطراف المتدخلة في تعليم وتعلم اللغة العربية مثل الإداريين والمراقبين التربويين وغيرهم. يشمل التقييم أداء المتعلمين وفعالية طرائق التدريس والمواد التعليمية.
تجديد المنهاج
نظرا لأن سياقات التعلم واحتياجات المتعلمين تتغير مع الوقت، فإن تطوير المناهج عملية دورية. تستخدم نتائج التقييم لتحديث البرنامج وضمان استمراريته وفعاليته.
تأثير مقاربات المنهاج
على الرغم من أن مراحل تطوير المناهج تكاد تكون متفقا عليها، لكن ترتيب هذه المراحل وأولوياتها يتأثر بالمقاربة المتبعة. يساعد فهم المقاربات الأمامية والمركزية والعكسية المعلمين على مواءمة المنهاج مع أهداف التعلم وتحقيق التوازن بين المحتوى والطريقة والتقييم.
التصميم الأمامي
ترتكز هذه المقاربة المنهاجية على البدء بالمحتوى والأهداف التعليمية، ثم اختيار الطرائق وأساليب التقييم. في هذه المقاربة يكون المحتوى التعليمي هو الأساس والمنطلق وتأتي طرائق التدريس والمواد والتقييم لدعم هذا المحتوى. على سبيل المثال، قد يبدأ مقرر ما بتحديد الدروس النحوية وقوائم المفردات المطلوب تدريسها، ثم يُبحث بعد ذلك في طرائق تدريسها وتقييمها.
التصميم المركزي
ترتكز هذه المقاربة المنهاجية على العمليات الصفية والأنشطة، بحيث يتشكل المحتوى والنتائج أثناء التنفيذ. يتركز الاهتمام هنا على تفاعل المتعلمين وتعاونهم، وأدائهم للمهام. تؤثر طبيعة الأنشطة في اختيار المحتوى وأدوات التقييم. تنتشر هذه المقاربة في التعلم القائم على المهام والتعلم التجريبي.
التصميم العكسي
ترتكز هذه المقاربة المنهاجية على البدء بالأهداف النهائية: ما الذي ينبغي أن يكون المتعلم قادرا على إنجازه في نهاية الدورة التعليمية أو الموسم الدراسي أو السلك التعليمي أو المستوى اللغوي؟ بعد تحديد النتائج المرجوة، توضع أدوات التقييم المناسبة، ثم يبنى المحتوى وتختار طرائق التدريس لإعداد المتعلمين لتحقيق تلك الأهداف. تحقق هذه المقاربة انسجاما قويا بين الأهداف وطرائق التدريس والتقييم. تمثل الأطر الدولية مثل الإطار الأوروبي المرجعي المشترك للغات CEFR وإرشادات ACTFL أمثلة واضحة على التصميم العكسي، إذ تحدد مستويات الأداء وعبارات “ما يمكن للمتعلمين القيام به” دون فرض محتوى أو طرائق تدريس بعينها.
أهمية المقاربة التصميمية
تؤثر المقاربة التصميمية على تركيز التخطيط وتسلسله، إذ تحدد أولويات اختيار المحتوى، وطرائق التدريس، وأدوات التقييم. ومن خلال فهم مزايا كل مقاربة يمكن للمعلمين إعداد مناهج أكثر توازنا وفاعلية.
سواء أكانت المقاربة التصميمية أمامية، أو مركزية، أو عكسية، فإن اختيار إحداها يؤثر بشكل مباشر في تسلسل خطوات بناء المنهاج، من تحديد الأهداف واختيار المحتوى إلى تصميم التقييم وطرائق التدريس.
تؤثر المقاربة المختارة ليس فقط في ترتيب التخطيط، بل في تحديد عناصر المنهاج التي يجب التركيز عليها. فالتصميم الأمامي يركز على المحتوى، بينما تركز المقاربة المركزية على التفاعل، أما المقاربة العكسية فتعطي الأولوية للمخرجات والتقييمات. تميل البرامج الحديثة إلى المقاربة العكسيّة بسبب الانتشار العالمي للإطار الأوروبي المرجعي المشترك للغات CEFR وإرشادات ACTFL، التي تركز على التعلم القائم على النتائج. لكن العديد من البرامج تمزج بين مزايا المقاربات الثلاثة، فتستفيد من وضوح التصميم العكسي، وهيكل التصميم الأمامي، ومرونة التصميم المركزي.
يمثل تطوير مناهج تعليم اللغة عملية متكاملة تبدأ بتحليل السياق وتحديد احتياجات المتعلمين، ثم صياغة الأهداف، وبناء المحتوى، واختيار الطرائق، وتنتهي بالتقييم والتجديد المستمر. وتختلف أولويات هذه الخطوات بحسب المقاربة المتبعة؛ فالتصميم الأمامي يركز على المحتوى، والمركزي يركز على الأنشطة والتفاعل، بينما يجعل التصميم العكسي النتائج النهائية هي الأساس.
ختاما، تزداد أهمية التصميم العكسي اليوم بفضل اعتماده على الأطر العالمية مثل الإطار الأوروبي المرجعي المشترك للغات CEFR وإرشادات ACTFL، ومع ذلك فإن الجمع بين المقاربات الثلاثة يمنح المنهاج اللغوي وضوحا ومرونة ويزيد قدرته على تلبية احتياجات المتعلمين بكفاءة.
لائحة المراجع:
1- Christison, M., & Murray, D. E. (2022). What English Language Teachers Need to Know, Volume III: Designing Curriculum (2nd ed.). Routledge.
https://doi.org/10.4324/9780429275746
2- Richards, J. C. (2013). Curriculum approaches in language teaching: Forward, central, and backward design. RELC Journal, 44(1), 5–33.
https://doi.org/10.1177/0033688212473293
3- Richards, J. C. (2017). Curriculum Development in Language Teaching (2nd ed.). Cambridge University Press.